الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
المسألة الثانية:اختلفوا في تلك العقدة التي كانت في لسان موسى عليه السلام على قولين، الأول: كان ذلك التعقد خلقة الله تعالى فسأل الله تعالى إزالته.الثاني: السبب فيه أنه عليه السلام حال صباه أخذ لحية فرعون ونتفها فهم فرعون بقتله وقال هذا هو الذي يزول ملكي على يده فقالت آسية: إنه صبي لا يعقل وعلامته أن تقرب منه التمرة والجمرة فقربا إليه فأخذ الجمرة فجعلها في فيه وهؤلاء اختلفوا فمنهم من قال لم تحترق اليد ولا اللسان لأن اليد آلة أخذ العصا وهي الحجة واللسان آلة الذكر فكيف يحترق ولأن إبراهيم عليه السلام لم يحترق بنار نمروذ وموسى عليه السلام لم يحترق حين ألقى في التنور فكيف يحترق هنا؟ ومنهم من قال: احترقت اليد دون اللسان لئلا يحصل حق المواكلة والممالحة.الثالث: احترق اللسان دون اليد لأن الصولة ظهرت باليد أما اللسان فقد خاطبه بقوله يا أبت.والرابع: احترقا معًا لئلا تحصل المواكلة والمخاطبة.المسألة الثالثة:اختلفوا في أنه عليه السلام لم طلب حل تلك العقدة على وجوه:أحدها: لئلا يقع في أداء الرسالة خلل ألبتة.وثانيها: لإزالة التنفير لأن العقدة في اللسان قد تفضي إلى الإستخفاف بقائلها وعدم الالتفات إليه.وثالثها: إظهارًا للمعجزة فكما أن حبس لسان زكريا عليه السلام عن الكلام كان معجزًا في حقه فكذا إطلاق لسان موسى عليه السلام معجز في حقه.ورابعها: طلب السهولة لأن إيراد مثل هذا الكلام على مثل فرعون في جبروته وكبره عسر جدًا فإذا انضم إليه تعقد اللسان بلغ العسر إلى النهاية، فسأل ربه إزالة تلك العقدة تخفيفًا وتسهيلًا.المسألة الرابعة:قال الحسن رحمه الله: إن تلك العقدة زالت بالكلية بدليل قوله تعالى: {قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ ياموسى} [طه: 36] وهو ضعيف لأنه عليه السلام لم يقل واحلل العقدة من لساني بل قال: {واحلل عُقْدَةً مّن لِّسَانِي} فإذا حل عقدة واحدة فقد آتاه الله سؤله، والحق أنه انحل أكثر العقد وبقي منها شيء قليل لقوله: حكاية عن فرعون.{أَمْ أَنَا خَيْرٌ مّنْ هذا الذي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف: 52] أي يقارب أن لا يبين وفي ذلك دلالة على أنه كان يبين مع بقاء قدر من الانعقاد في لسانه وأجيب عنه من وجهين.أحدهما: المراد بقوله: ولا يكاد يبين أي لا يأتي ببيان ولا حجة.والثاني: إن كاد بمعنى قرب ولو كان المراد هو البيان اللساني لكان معناه أنه لا يقارب البيان فكان فيه نفي البيان بالكلية وذلك باطل لأنه خاطب فرعون والجمع وكانوا يفقهون كلامه فكيف يمكن نفي البيان أصلًا بل إنما قال ذلك تمويهًا ليصرف الوجوه عنه قال أهل الإشارة إنما قال: {واحلل عُقْدَةً مّن لِّسَانِي} لأن حل العقد كلها نصيب محمد صلى الله عليه وسلم وقال تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم إِلاَّ بالتي هِىَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152] فلما كان ذلك حقًا ليتيم أبي طالب لا جرم ما دار حوله، والله أعلم.المطلوب الرابع: قوله: {واجعل لّي وَزِيرًا مّنْ أَهْلِي} واعلم أن طلب الوزير إما أن يكون لأنه خاف من نفسه العجز عن القيام بذلك الأمر فطلب المعين أو لأنه رأى أن للتعاون على الدين والتظاهر عليه مع مخالصة الود وزوال التهمة مزية عظيمة في أمر الدعاء إلى الله ولذلك قال عيسى ابن مريم: {مَنْ أَنصَارِي إِلَى الله قَالَ الحواريون نَحْنُ أَنْصَارُ الله} [آل عمران: 52] وقال لمحمد صلى الله عليه وسلم: {حَسْبُكَ الله وَمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين} [الأنفال: 64] وقال عليه السلام: «إن لي في السماء وزيرين وفي الأرض وزيرين، فاللذان في السماء جبريل وميكائيل واللذان في الأرض أبو بكر وعمر» وهاهنا مسائل:المسألة الأولى:الوزير من الوزر لأنه يتحمل عن الملك أوزاره ومؤنه أو من الوزر وهو الجبل الذي يتحصن به لأن الملك يعتصم برأيه في رعيته ويفوض إليه أموره أو من الموازرة وهي المعاونة، والموازرة مأخوذة من إزار الرجل وهو الموضع الذي يشده الرجل إذا استعد لعمل أمر صعب قاله الأصمعي وكان القياس أزيرًا فقلبت الهمزة إلى الواو.المسألة الثانية:قال عليه السلام: «إذا أراد الله بملك خيرًا قيض له وزيرًا صالحًا إن نسي ذكره وإن نوى خيرًا أعانه وإن أراد شرًا كفه» وكان أنوشروان يقول: لا يستغني أجود السيوف عن الصقل، ولا أكرم الدواب عن السوط، ولا أعلم الملوك عن الوزير.المسألة الثالثة:إن قيل الإستعانة بالوزير إنما يحتاج إليها الملوك أما الرسول المكلف بتبليغ الرسالة والوحي من الله تعالى إلى قوم على التعيين فمن أين ينفعه الوزير؟ وأيضًا فإنه عليه السلام سأل ربه أن يجعله شريكًا له في النبوة فقال: {وَأَشْرِكْهُ في أَمْرِي} فكيف يكون وزيرًا.والجواب: عن الأول أن التعاون على الأمر والتظاهر عليه مع مخالصة الود وزوال التهمة له مزية عظيمة في تأثير الدعاء إلى الله تعالى فكان موسى عليه السلام واثقًا بأخيه هرون فسأل ربه أن يشد به أزره حتى يتحمل عنه ما يمكن من الثقل في الإبلاغ.المطلوب الخامس: أن يكون ذلك الوزير من أهله أي من أقاربه.المطلوب السادس: أن يكون الوزير الذي من أهله هو أخوه هارون وإنما سأل ذلك لوجهين.أحدهما: أن التعاون على الدين منقبة عظيمة فأراد أن لا تحصل هذه الدرجة إلا لأهله، أو لأن كل واحد منهما كان في غاية المحبة لصاحبه والموافقة له، وقوله هارون في انتصابه وجهان.أحدهما: أنه مفعول الجعل على تقدير اجعل هارون أخي وزيرًا لي.والثاني: على البدل من وزيرًا وأخي نعت لهرون أو بدل، واعلم أن هارون عليه السلام كان مخصوصًا بأمور منها الفصاحة لقوله تعالى عن موسى: {وَأَخِي هارون هُوَ أَفْصَحُ مِنّي لِسَانًا} [القصص: 34] ومنها أنه كان فيه رفق قال: {يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلاَ بِرَأْسِى} [طه: 94] ومنها أنه كان أكبر سنًا منه.المطلوب السابع: قوله: {أشدد به أزري} وفيه مسائل:المسألة الأولى:القراءة العامة: {اشدد بِهِ} {وَأَشْرِكْهُ} على الدعاء وقرأ ابن عامر وحده: {اشْدُدْ} {وَأَشْرِكْهُ} على الجزاء والجواب، حكاية عن موسى عليه السلام أي أنا أفعل ذلك ويجوز لمن قرأ على لفظ الأمر أن يجعل {أَخي} مرفوعًا على الابتداء {واشدد بِهِ} خبره ويوقف على هارون.المسألة الثانية:الأزر القوة وآزره قواه قال تعالى: {فَآزَرَهُ} أي أعانه قال أبو عبيدة {أَزْرِي} أي ظهري وفي كتاب الخليل: الأزر الظهر.المسألة الثالثة:أنه عليه السلام لما طلب من الله تعالى أن جعل هرون وزيرًا له طلب منه أن يشد به أزره ويجعله ناصرًا له لأنه لا اعتماد على القرابة.المطلوب الثامن: قوله: {وَأَشْرِكْهُ في أَمْرِي} والأمر هاهنا النبوة، وإنما قال ذلك لأنه عليه السلام علم أنه يشد به عضده وهو أكبر منه سنًا وأفصح منه لسانًا ثم إنه سبحانه وتعالى حكى عنه ما لأجله دعا بهذا الدعاء فقال: {كَيْ نُسَبّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا} والتسبيح يحتمل أن يكون باللسان وأن يكون بالاعتقاد، وعلى كلا التقديرين فالتسبيح تنزيه الله تعالى في ذاته وصفاته وأفعاله عما لا يليق به، وأما الذكر فهو عبارة عن وصف الله تعالى بصفات الجلال والكبرياء ولا شك أن النفي مقدم على الإثبات، أما قوله تعالى: {إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا} ففيه وجوه: أحدها: إنك عالم بأنا لا نريد بهذه الطاعات إلا وجهك ورضاك ولا نريد بها أحدًا سواك.وثانيها: {كُنتَ بِنَا بَصِيرًا} لأن هذه الاستعانة بهذه الأشياء لأجل حاجتي في النبوة إليها.وثالثها: إنك بصير بوجوه مصالحنا فأعطنا ما هو أصلح لنا، وإنما قيد الدعاء بهذا إجلالًا لربه عن أن يتحكم عليه وتفويضًا للأمر بالكلية إليه. اهـ.
الثاني: أن يكون عونًا يستقيم به أمري. قال الشاعر: فيكون السؤال على الوجه الأول لأجل نفسه وعلى الثاني لأجل النبوة. وكان هارون أكبر من موسى بثلاث سنين، وكان في جبهة هارون شامة، وكان على أنف موسى شامة، وعلى طرف لسانه شامه. اهـ.
أي قاومه وصار في طوله، وفتح أبو عمرو وابن كثير الياء من {أخي} وسكنها الباقون وروي عن نافع {وأشركهو} بزيادة واو في اللفظ بعد الهاء ثم جعل موسى عليه السلام ما طلب من نعم الله تعالى سببًا يلزم كثرة العبادة والاجتهاد في أمر الله، وقوله: {كثيرًا} نعت لمصدر محذوف تقديره تسبيحًا كثيرًا. اهـ.
|